أولاً: في دار الحرب
ثانياً: في دار الإسلام
الجهاد شرعه الله لإقامة الحق والعدل وللإصلاح بين الناس، فالقتل وإن كان فيه ضرر وفساد، فالكفر فتنته أكبر، وشره مستطير، ولهذا قال تعالى: “وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة”1، وقال: “والفتنة أكبر من القتل”2.
لقد راعى الإسلام العدل والإنصاف حتى مع أعدائه، ونهى عن التعدي وقتل الأبرياء فقال: “وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين”.3
فالنهي عن قتل غير المقاتلين من الرهبان، والعجزة، والنساء، والأطفال، يختلف باختلاف الدار والحال.
أولاً: في دار الحرب
ذهب أهل العلم في قتل الرهبان، والعجزة، والنساء، والأطفال في دار الحرب مذاهب هي:
- لا يقتل من هؤلاء في دار الحرب إلا المعاونين على القتال.
- يُقتل الجميع لمجرد الكفر، إلا النساء والأطفال.
- وفرَّق قوم بين الرهبان المحرِّضين على قتال المسلمين، فهؤلاء أولى بالقتل من غيرهم، وبين المنقطعين للعبادة.
الأدلة على النهي عن قتل غير المقاتلين ولا المحرضين والمعينين من هؤلاء
- قوله تعالى: “وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولاتعتدوا إن الله لا يحب المعتدين” الآية.
- مرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض مغازيه بامرأة مقتولة، فقال: “ما كانت هذه لتقاتل”.4
- وقال صلى الله عليه وسلم لأحد الصحابة: “الحق خالداً فقل له: لا تقتلوا ذرية ولا عسيفاً5”.
- وقال صلى الله عليه وسلم: لا تقتلوا شيخاً فانياً، ولا طفلاً صغيراً، ولا امرأة”.
- وقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه موصياً يزيد بن أبي سفيان لما بعثه أميراً لفتح الشام: “وستجدون أقواماً قد حبسوا أنفسهم في الصوامع، فذروهم وما حبسوا أنفسهم له، وستجدون أقواماً قد فحصوا عن أوساط رؤوسهم فاضربوا ما فحصوا عنه بالسيف”.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (وإنما نهى عن قتل هؤلاء، لأنهم قوم منقطعون عن الناس، محبوسون في الصوامع، يسمى أحدهم “حبيساً”، لا يعاونون أهل دينهم على أمر فيه ضرر على المسلمين أصلاً، ولايخالطونهم في دنياهم، ولكن يكتفي أحدهم بقدر ما يتبلغ به، فتنازع العلماء في قتلهم، كتنازعهم في قتل من لا يضر المسلمين بيده ولا بلسانه، كالأعمى، والزَّمِن، والشيخ الكبير، ونحوه كالنساء والصبيان.
فالجمهور يقولون: لا يقتل إلا من كان من المعاونين لهم على القتال في الجملة، وإلا كان كالنساء والصبيان، ومنهم من يقول: بل مجرد الكفر هو المبيح للقتل، وإنما استثنى النساء والصبيان لأنهم أموال7، وعلى هذا الأصل ينبني أخذ الجزية.
وأما الراهب الذي يعاون أهل دينه بيده ولسانه، مثل أن يكون له رأي يرجعون إليه في القتال، أونوع من التحضيض، فهذا يقتل باتفاق العلماء، إذا قدر عليه، وتؤخذ منه الجزية، وإن كان حبيساً منفرداً في معبده، فكيف بمن هم كسائر النصارى في معاشهم ومخالطتهم الناس، واكتساب الأموال بالتجارات والزراعات والصناعات، واتخاذ الديارات الجامعات لغيرهم، وإنما تميزوا على غيرهم بما يغلِّظ كفرهم، ويجعلهم أئمة في الكفر، مثل التعبد بالنجاسات، وترك النكاح، واللحم، واللباس الذي هو شعار الكفر، لا سيما وهم الذين يقيمون دين النصارى بما يظهرونه من الحيل الباطلة التي صنف الفضلاء فيها مصنفات، ومن العبادات الفاسدة، أوقبول نذورهم وأوقافهم.
والراهب عندهم شرطه ترك النكاح فقط، وهم مع هذا يجوِّزون أن يكون بتركاً، وبطرقاً، وقسيساً، وغيرهم من أئمة الكفر الذي يصدرون عن أمرهم ونهيهم، ولهم أن يكتسبوا الأموال، كما لغيرهم مثل ذلك، فهؤلاء لا يتنازع العلماء في أنهم من أحق النصارى بالقتل عند المحاربة، وبأخذ الجزية عند المسالمة، وأنهم من جنس أئمة الكفر الذين قال فيهم الصديق رضي الله عنه ما قال، وتلا قوله تعالى: “فقاتلوا أئمة الكفر”.
ويبين ذلك أنه سبحانه وتعالى قال: “إن كثيراً من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله”، وقد قال تعالى: “اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلهاً واحداً لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون”.
فهل يقول عالم: إن أئمة الكفر الذين يصدون عوامهم عن سبيل الله، ويأكلون أموال الناس بالباطل، ويرضون أن يتخذوا أرباباً من دون الله لا يقاتلون ولا تؤخذ منهم الجزية، مع كونها تؤخذ من العامة الذين هم أقل منهم ضرراً على الدين، وأقل أموالاً، لا يقوله من يدري ما يقول، وإنما وقعت الشبهة لما في لفظ الراهب من الإجمال والاشتراك).8
قلت: عداوة الرهبان والقسس ومن شاكلهم من أئمة الكفر لا تدانيها عداوة العامة منهم، فهم الذي يحرضون على قتل المسلمين، وعلى جمع الأموال والتبرعات للقضاء على الإسلام والمسلمين، هذا بجانب أن عداوة الكفار لعلماء الأئمة أشد، وحضهم الحكام على التضييق عليهم وعلى حبسهم ومنعهم من قيادة المجتمع وريادته.
ثانياً: في دار الإسلام
أما قتل المدنيين من أئمة الكفر وغيرهم من النساء والأطفال والصحفيين وغيرهم، الغازين لديار الإسلام، كما هو الحال في فلسطين، والعراق، وأفغانستان، والشيشان، وكشمير، وجنوب الفلبين، وجنوب تايلاند – “فطاني”، وغيرها من البلاد، فهؤلاء يُقتلون ولا يُستثنون، والأدلة السابقة لا تتناولهم بحال من الأحوال، لأنهم غزاة معتدون مغتصِبون.
إذا كان الكفار اليوم في فلسطين والعراق وغيرهما يقتلون المسلمين وحيواناتهم، ويفسدون الحرث والنسل، ويقلعون الأشجار، ويعيثون في الأرض الفساد، ولا يميزون بين مقاتل وغير مقاتل، فقد طال قتلهم الأطفال الرضع، والشيوخ الركع، والنساء الحمَّل، والمقعدين، والعجزة، ومن العجيب الغريب أن يصف هؤلاء الكفار والسذج ما يقوم به هؤلاء الأبطال المجاهدين لمن غزاهم في عقر دارهم بأنهم إرهابيون، ويجاريهم في ذلك حكام المسلمين وغيرهم، خوفاً ورهباً من الأمريكان واليهود، وحرصاً على السلطان.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الكفرة المعاندين، وصلى الله وسلم على رسولنا محمد وعلى آله وصحابته والتابعين.