متى يجوز تمني الموت؟ ومتى لا يجوز؟

يحرم تمني الموت في الحالات الآتية

يجوز تمني الموت في الحالات الآتية

أولاً:إذا خاف الفتنة في الدين

ثانيا: عند حضور أسباب الشهادة

ثالثاً: لمن وثق بعمله واشتاق لقاء ربه

 

لاشك أن الدنيا دار بلاء واختبار، وأن الله سبحانه وتعالى خلق الموت والحياة ليبلونا أينا أحسن عملاً، وخير مرداً، وأفضل كسباً.

وأن الله يبتلي عباده الصالحين والطالحين، الصالحين ليرفع درجتهم ويعلي منزلتهم، والطالحين ليطهرهم ويكفر سيئاتهم، بل إن ابتلاءه لعباده المخلصين ورسله المقربين أشد: “أشد الناس بلاءً الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل”، بله لقد جعل الله تجلت حكمته بلاءه في بعض الأحيان علامة من علامات حبه وإصطفائه، فعن أنس رضي الله عنه يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إن الله إذا أحب قوماً، ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط”2.

فالمؤمن أمره كله خير، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له، وليس هذا إلا للمؤمن كما أخبر الصادق المصدوق، ومن أركان الإيمان التي لا يتم إيمان العبد ولا يكتمل إلاَ بها الإيمان بقضاء الله وقدره، خيره وشره، حلوه ومره.

فمن علامات الإيمان، ومؤشرات الصدق واليقين، التسليم للقضاء، والرضا بالنازلة، وعدم التضجر والتسخط إذا أصاب الإنسان ما يخالف الهوى3، ولهذا قال الله عز وجل: “كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم”4.

صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن تمني الموت: “لا يتمنينَّ أحدُكم الموتَ لضرٍّ نزل به، فإن كان لابد فاعلاً فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي”5.

وخرج أحمد بسنده عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “لا تتمنوا الموت، فإن هول المطلع شديد، وإن من السعادة أن يطول عمر العبد ويرزقه الله الإنابة”.

وصح كذلك أن بعض الأخيار من الأنبياء، والمرسلين، والصحابة، والسلف الصالحين من هذه الأمة ومن السابقين تمنوا الموت وسألوه، منهم يوسف عليه السلام حين قال: “توفني مسلماً وألحقني بالصالحين”، ومنهم عمر، وعلي، ومعاذ، وأبو الدرداء رضي الله عنهم.

فدل ذلك على أنه هناك حالات يحرم فيها تمني الموت وحالات يجوز فيها تمنيه، توفيقاً بين الأحاديث والآثار، سيما وقد تمنى الموت من أمرنا بالاقتداء بهم كعمر رضي الله عنه، وما أدراك ما عمر؟!

فمتى يحرم تمني الموت؟ ومتىيجوز تمنيه؟

يحرم تمني الموت في الحالات الآتية

يحرم على المسلم تمني الموت لضر دنيوي نزل به، في نفسه، أوولده، أوماله، وهذا هو الذي عناه الرسول صلى الله عليه وسلم: “لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به”.

قال ابن رجب الحنبلي رحمه الله: (فتمني الموت يقع على وجوه، منها تمنيه لضر دنيوي ينزل بالعبد، فينهى حينئذٍ عن تمني الموت، ووجه كراهيته في هذه الحال أن المتمني للموت لضر نزل به إنما يتمناه تعجيلاً للاستراحة من ضره، وهو لا يدري إلى ما يصير بعد الموت، فلعله يصير إلى ضرٍ أعظم من ضره، فيكون كالمستجير من الرمضاء بالنار، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إنما يستريح من غفر له”.

يجوز تمني الموت في الحالات الآتية

  1. إذا اشترط أن يكون الموت خيراً له كما جاء في الحديث السابق.
  2. إذا خاف الفتنة في الدين.
  3. عند حضور أسباب الشهادة.
  4. لمن وثق عمله وأشتاق لقاء ربه.

الأدلة على جواز تمني الموت في الحالات السابقة

أولاً:إذا خاف الفتنة في الدين

  1. ما حكاه الله على لسان سحرة فرعون: “قالوا ربنا أفرغ علينا صبراً وتوفنا مسلمين”7.
  2. وما حكاه الله على لسان مريم عندما اتهمت بالفاحشة: “يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسياً منسياً”8، وذلك عندما قالوا لها: “يا مريم لقد جئت شيئاً فريا* يا أخت هرون ما كان أبوك إمرء سوءٍ وما كانت أمك بغياً”9، لأنها لم تكن ذات زوج.
  3. وقال عمر: “اللهم انتشرت رعيتي، وكبرت سني، وضعف جسمي، فأقبضني إليك غير مفتون”.
  4. وقال علي رضي الله عنه في آخر خلافته عندما رأى أن الأمور لا تجتمع له، ولا يزداد الأمر إلاّ شدة: “اللهم خذني إليك، فقد سئمتهم وسئموني”.
  5. وكذلك قال البخاري رحمه الله لما وقعت الفتنة بينه وبين أمير خرسان وجرى فيها ما جرى، قال: “اللهم توفني إليك”.
  6. وفي الحديث الصحيح: “أن الرجل ليمر بالقبر ـ في زمان فتنة الدجال ـ فيقول: “يا ليتني كنت مكانك”.
  7. وفي حديث معاذ: “فإذا أردت فتنة فاقبضني إليك غير مفتون”10.
  8. وفي حديث عمار يرفعه: “أسألك لذة النظر إلى وجهك، وشوقاً إلى لقائك في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة”.

ثانيا: عند حضور أسباب الشهادة

إذا التقى الصفان وحضرت أسباب الشهادة جاز تمني الموت حينئذٍ، كما فعل عبد الله بن جحش، وعبد الله بن رواحة، والبراء بن مالك، وغيرهم.

روى أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “كم من ضعيف متضعف ذي طمرين، لو أقسم على الله لأبرَّه”11، وأن البراء بن مالك لقى زحفاً من المشركين، فقال له المسلمون: أقسِم على ربك؛ فقال: أقسمتُ عليك يا رب لما منحتنا أكتافهم؛ فمنحهم أكتافهم، ثم التقوا مرة أخرى فقالوا: أقسم على ربك؛ فقال: أقسمت عليك يا رب لما منحتنا أكتافهم، وألحقني بنبيك؛ فمنحوا أكتافهم، وقتل البراء.

وروي إن عبد الله بن جحش رضي الله عنه قال يوم أحد: يارب إذا لقيت العدو غداً، فلقني رجلاً شديداً بأسه، شديداً حرده، أقاتله فيك ويقتلني، ثم يأخذني فيجدع أنفي وأذني، فإذا لقيتك غداً، قلت: ياعبد الله، من جدع أنفك وأذنك؟ فأقول: فيك وفي رسولك؛ فتقول: صدقتَ؛ قال سعد بن أبي الوقاص: فلقد رأيته آخر النهار، وإن أنفه وأذنه لمعلقتان في خيط”.12

 ثالثاً: لمن وثق بعمله واشتاق لقاء ربه

  1. في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عند احتضاره جعل يرفع اصبعه عند الموت ويقول: “اللهم في الرفيق الأعلى ثلاثاً”.
  2. وسأل معاذ بن جبل الشهادة له ولآل بيته عندما نزل الطاعون بعِمْواس.
  3. قال أبو الدرداء رضي الله عنه: أحب الموت اشتياقاً إلى لقاء ربي عزوجل.
  4. وقال أبو عنبسة الخولاني: كان من قبلكم لقاء الله أحب إليه من الشهد.

قال ابن رجب الحنبلي رحمه الله: (وقد دل على جواز ذلك قول الله عز وجل: “قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين”13، وقوله: “قل يا أيها الذين هادوا إن زعمتم أنكم أولياء الله من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين”14، فدل ذلك على أن أولياء الله لا يكرهون الموت بل يتمنونه، ثم أخبر أنهم “لا يتمنونه أبداً بما قدمت أيديهم”15، فدل إنما يكره الموت من له ذنوب يخاف القدوم عليها، كما قال بعض السلف: ما يكره الموت إلا مريب)16.

والله أسأل أن يطيبنا للموت ويطيبه لنا، في غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة، وأن يجعل خير  أعمالنا خواتمها، وخيرأعمارنا أواخرها، وخيرأيامنا يوم لقائه، وصلى الله وسلم وبارك على محمد وآله وصحبه، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

 

من تهاون في المندوب ترك الواجب، ومن تساهل في المكروه فعل الحرام

أعظم الفرائض

أفضل النوافل

 

أمة محمد صلى الله عليه وسلم، خير الأمم، يوم القيامة الوارثون للجنان، المكرمون برؤية العزيز الرحمن، أحد ثلاثة نفر إما سابق، وإما مقتصد، وإما ظالم لنفسه:”ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير* جنات عدن يدخلونها يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤاً ولباسهم فيها حرير* وقالوا الحمد لله الذي أحلنا دار المقامة من فضله لايمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب”1.

وصنفهم في الواقعة بأنهم هم:

  1. أصحاب المشأمة.
  2. أصحاب الميمنة.
  3. والسابقون المقربون.

فقال:”وكنتم أزواجاً ثلاثة* فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة* وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة* والسابقون السابقون* أولئك المقربون”2.

فأصحاب اليمين والسابقون ناجون من النار يدخلون الجنة مع أول الداخلين مع تفاوت بينهم، أما أصحاب المشأمة وهم الظالمون لأنفسهم فيدخلونها بعد أن يطهرهم الله بالنار مما اقترفوا في الدنيا، فالجنة طيبة لا يدخلها إلاَّطيب.

هذا أرجح قولي العلماء والمفسرين في تأويل آية فاطر “ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا”، والقول الثاني إن الظالم لنفسه هو الكافر.

قال القرطبي رحمه الله: (وقيل: الضمير في “يدخلونها” يعود إلى الثلاثة الأصناف، على ألاّ يكون الظالم هاهنا كافراً، أوفاسقاً؛ وممن روي عنه هذا القول: عمر، وعثمان، وأبوالدرداء، وابن مسعود، وعقبة بن عمرو، وعائشة، والتقدير على هذا القول أن يكون الظالم لنفسه الذي عمل الصغائر.

و”المقتصد” قال محمد بن يزيد:هو الذي يعطي الدنيا حقها، والآخرة حقها، فيكون “جنات عدن يدخلونها” عائداً على الجميع على هذا الشرح والتبيين، وروي عن أبي سعيد الخدري، وقال كعب الأحبار: استوت مناكبهم ـ ورب الكعبة ـ وتفاضلوا بأعمالهم.

وقال أبواسحاق السبيعي: أما الذي سمعت منذ ستين سنة فكلهم ناجٍ؛ وروى أسامة بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية وقال:”كلهم في الجنة”؛ وقرأ عمر بن الخطاب هذه الآية ثم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “سابقنا سابق، ومقتصدنا ناجٍ، وظالمنا مغفور له”.

ثم رجح هذا القول قائلاً: القول الوسط أولاها وأصحها إن شاء الله، لأن الكافر والمنافق لم يصطفوا بمحمد صلى الله عليه وسلم ولا اصطفى دينهم، وهذا قول ستة من الصحابة، وحسبك)3.

على المسلمين جميعاً أن يتسابقوا في الخيرات، ويتنافسوا على المكرمات، ولا يرضوا بالدنيات، ولا ينبغي لأحد منهم أن يرضى أويقنع إلا بإحدى المنزلتين، منزلة السابقين فإن عجز فمنزلة المقتصدين فما منا من أحد يقوى على النار.

فالسابقون إلى الخيرات، الفائزون بجميع المكرمات، والحَالُّون أعلى الدرجات، هم المؤدون   للواجبات، المتقربون بالنوافل والمندوبات، الممتنعون عن الشبه والمكروهات، دعك عن الكبائر والمحرمات.

أما المقتصدون فهم المؤديون للواجبات، المنتهون عن المحرمات، فإن كنت راغباً في تلك الدرجات، وعازماً على نيلها فاحذر أشد الحذر التهاون في المندوبات، المفضي
إلى ترك الواجبات، والتساهل في اقتراف المكروهات، والقرب من الشبهات، الباعث على فعل المحرمات.

ما تقرب متقرب إلى الله عز وجل بشيءٍ أحب إليه مما افترضه على عباده وجاء على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم وما من شيءٍ تنال به محبة الله ورضاه أفضل من الإكثار من النوافل، وعدم الاقتصار على بعض الندوبات دون بعض.

صح عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الله تعالى قال: من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إليَّ عبدي بشيء أحبَّ إليَّ مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبَّه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده الذي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينَّه، ولئن استعاذني لأعيذنَّه”4.

المراد بقوله عز وجل: كنت سمعه، وبصره، ويده، ورجله، يعني لا يسمع إلاََََّ ما أحل الله، ولا ينظر إلى ما حرَّم الله، ولا تنال يده محرماً ولا يضرب أو يظلم بها أحداً، ولا تمشي رجله وتسعى إلاَّ فيما يرضي الله ورسوله، وليس المراد أنَّه يسمع بسمع الله، وينظر بنظر الله، كما يقول أصحاب عقيدة الحلول والاتحاد، تعالى الله عن قولهم علواً كبيراً.

قال ابن رجب الحنبلي رحمه الله في بيان أن أولياء5 الله على درجتين: مقتصدين وكمل:(أحدهما: المتقربون إليه بأداء الفرائض، وهذه درجة المقتصدين أصحاب اليمين، وأداء الفرائض أفضل الأعمال كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أفضل الأعمال6 أداء ما افترض الله، والورع عما حرَّم الله، وصدق النية فيما عند الله عز وجل؛ وقال عمر بن عبد العزيز في خطبته: أفضل العبادة أداء الفرائض، واجتناب المحارم، وذلك أن الله عز وجل إنما افترض على عباده هذه الفرائض ليقربهم منه، ويوجب لهم رضوانه ورحمته)7 .

وأعظم الفرائض هي:

  1. الصلوات الخمس، وأدائها للرجال مع جماعة المسلمين بخشوع، وخضوع، واطمئنان.
  2. صوم رمضان.
  3. إخراج الزكاة الواجبة.
  4. تحكيم شرع الله في الرعية.
  5. عدل الراعي في رعيته.
  6. الجهاد في سبيل الله، ولإعلاء كلمة الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لمن وجب عليهم.
  7. بر الوالدين، وصلة الرحم، والإحسان إلى الجيران.
  8. تعلم ما يجب على المرء تعلمه مما يجب عليه نحوربه، ورسوله، ومعرفة الحلال والحرام والتمييز بين السنة والبدعة.

أما الدرجة الثانية وهي درجة الأولياء الكمل فقال عنها ابن رجب: (درجة السابقين المقربين، وهم الذين تقربوا إلى الله بعد الفرائض الاجتهاد في نوافل الطاعات، والانكفاف عن دقائق المكروهات بالورع،وذلك يوجب للعبد محبة الله)8.

أفضل النوافل

  1. السنن الرواتب قبل وبعد الصلوات المكتوبات، فقد صح عنه: “أن أول ما يحاسب به العبد بعد موته صلاته فإن صلحت فقد فازونجح، وإن فسدت فقد خاب وخسر، ثم ينادي المولى عزوجل: هل لعبدي من نوافل ليتم به ما انتقض من صلاته؛ وهكذا سائر العبادات”، أوكما قال وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: “إذا مرض العبد أوسافر كُتب له من الأجر ما كان يعمله وهو صحيح مقيم”.
  2. قيام الليل، والنفل المطلق والمقيد، كصلاة الضحى ونحوها.
  3. التطوع بصيام الأيام التي نُدِبَ صيامها كيوم عرفة، وعاشوراء، والخميس، والإثنين، والثلاثة البيض، وستة شوال ونحوها.
  4. الإكثار من تلاوة القرآن، وسماعه بتفكر وتدبر، بالنظر ومن الحفظ، فأشراف هذه الأمة حملة القرآن وأصحاب الليل.

قال خباب بن الأرض رضي الله عنه لرجل: “تقرب إلى الله ما استطعت، واعلم أنك لن تتقرب إليه بشيء هو أحب إليه من كلامه”9، وتلاوة القرآن أجرها مضاعف، وثوابها زائد فكل حرف بحسنة، والحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى ما شاء الله، كما قال صلى الله عليه وسلم: “لا أقول “ألم” حرف، ولكن: ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف” الحديث.

  1. الإكثار من الذكر باللسان مع حضور القلب والجنان، فلا يزال لسانك أخي الحبيب يكون رطباً بذكر الله فقد أثنى الله عز وجل على الذاكرين الله كثيراً والذاكرات.

وعليك بالأذكار الصحيحة الثابتة، واحذرالأوراد والأذكار البدعية التي وضعها بعض المشايخ لأتباعهم، ففي الصحيح غنىً وكفاية، ومن لم يسعه ما وسع رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، وصحبه الكرام، والسلف العظام، فلا وسَّع الله عليه.

  1. الإكثار من صدقة التطوع، بالإحسان إلى الأقارب، والجيران، والفقراء، والمحتاجين، والمرضى، والمعوزين وأفضل الصدقة ما دام نفعه وتعدى خيره.
  2. تعليم المسلمين، والذب عن السنة، والحذر من البدعة من أجَلِّ القربات، وقد فضلها مالك، والشافعي، وغيرهما على نوافل الصيام، والقيام، وغيرهما.
  3. الشفاعة الحسنة، وقضاء حوائج الناس.
  4. محبة العلماء، والأولياء، والصالحين، والذب عنهم.
  5. التعاون على البر والتقوى في أي مجال من المجالات.
  6. النصح لله، ولرسوله، ولكتابه، ولسنته، ولأئمة المسلمين وعامتهم.

الأعمال لا تحصى كثرة وفيما ذكرنا غنى عما أغفلنا، وكل ميسر لما خُلِق له، ومن الناس من يفتح لهم في كل المجالات كحال أبي بكر الصديق، ومنهم من يفتح لهم في بعضها دون بعض، والمحروم من حُرم أي باب من أبواب الخير مع كثرتها وسهولتها ويسر بعضها.

واعلم أخي الكريم أن الممتنع عن أداء الرواتب والسنن بالكلية المصر على ذلك، غير التارك لها في بعض الأحيان، فاسق لا تقبل شهادته كما قرر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وإذا كان رسولنا صلى الله عليه وسلم يقوم الليل حتى تتورم قدماه وقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وكان يصوم من الشهر حتى يظن أهله أنه لا يفطر فيه، فكيف بنا نحن وكلنا خطايا وذنوب، ولو علم الناس منا ما يعلم كل واحد من نفسه لرجمونا بالحجارة، ولا تغتر بقوله صلى الله عليه وسلم لذلك الأعرابي الذي قال: لا أزيد على الفرائض: “أفلح إن صدق”، لأن هذا كان في أول إسلامه، فلا يمكن أن يكلف بالسنن والنوافل ساعة دخوله في الإسلام، وإنما يكون ذلك تبع للفرائض فيما بعد، وقيل أن ذلك كان قبل أن تشرع السنن الرواتب، والله أعلم.

والله أسأل أن ييسرنا لليسرى، وأن ينفعنا بالذكرى، وأن يجعلنا وجميع أهلينا هداة مهتدين، غير ضالين ولا مضلين، وصلى الله وسلم على محمد صادق الوعد المبين وعلى آله وصحبه الطاهرين الطيبين وعنا معهم وجميع المسلمين.

 

من فقه الجهاد حكم قتل غير المقاتلين من الرهبان والعجزة، والنساء، والأطفال

أولاً: في دار الحرب

ثانياً: في دار الإسلام

 

الجهاد شرعه الله لإقامة الحق والعدل وللإصلاح بين الناس، فالقتل وإن كان فيه ضرر وفساد، فالكفر فتنته أكبر، وشره مستطير، ولهذا قال تعالى: “وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة”1، وقال: “والفتنة أكبر من القتل”2.

لقد راعى الإسلام العدل والإنصاف حتى مع أعدائه، ونهى عن التعدي وقتل الأبرياء فقال: “وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين”.3

فالنهي عن قتل غير المقاتلين من الرهبان، والعجزة، والنساء، والأطفال، يختلف باختلاف الدار والحال.

أولاً: في دار الحرب

ذهب أهل العلم في قتل الرهبان، والعجزة، والنساء، والأطفال في دار الحرب مذاهب هي:

  1. لا يقتل من هؤلاء في دار الحرب إلا المعاونين على القتال.
  2. يُقتل الجميع لمجرد الكفر، إلا النساء والأطفال.
  3. وفرَّق قوم بين الرهبان المحرِّضين على قتال المسلمين، فهؤلاء أولى بالقتل من غيرهم، وبين المنقطعين للعبادة.

الأدلة على النهي عن قتل غير المقاتلين ولا المحرضين والمعينين من هؤلاء

  1. قوله تعالى: “وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولاتعتدوا إن الله لا يحب المعتدين” الآية.
  2. مرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض مغازيه بامرأة مقتولة، فقال: “ما كانت هذه لتقاتل”.4
  3.  وقال صلى الله عليه وسلم لأحد الصحابة: “الحق خالداً فقل له: لا تقتلوا ذرية ولا عسيفاً5”.
  4. وقال صلى الله عليه وسلم: لا تقتلوا شيخاً فانياً، ولا طفلاً صغيراً، ولا امرأة”.
  5. وقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه موصياً يزيد بن أبي سفيان لما بعثه أميراً لفتح الشام: “وستجدون أقواماً قد حبسوا أنفسهم في الصوامع، فذروهم وما حبسوا أنفسهم له، وستجدون أقواماً قد فحصوا عن أوساط رؤوسهم فاضربوا ما فحصوا عنه بالسيف”.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (وإنما نهى عن قتل هؤلاء، لأنهم قوم منقطعون عن الناس، محبوسون في الصوامع، يسمى أحدهم “حبيساً”، لا يعاونون أهل دينهم على أمر فيه ضرر على المسلمين أصلاً، ولايخالطونهم في دنياهم، ولكن يكتفي أحدهم بقدر ما يتبلغ به، فتنازع العلماء في قتلهم، كتنازعهم في قتل من لا يضر المسلمين بيده ولا بلسانه، كالأعمى، والزَّمِن، والشيخ الكبير، ونحوه كالنساء والصبيان.

فالجمهور يقولون: لا يقتل إلا من كان من المعاونين لهم على القتال في الجملة، وإلا كان كالنساء والصبيان، ومنهم من يقول: بل مجرد الكفر هو المبيح للقتل، وإنما استثنى النساء والصبيان لأنهم أموال7، وعلى هذا الأصل ينبني أخذ الجزية.

وأما الراهب الذي يعاون أهل دينه بيده ولسانه، مثل أن يكون له رأي يرجعون إليه في القتال، أونوع من التحضيض، فهذا يقتل باتفاق العلماء، إذا قدر عليه، وتؤخذ منه الجزية، وإن كان حبيساً منفرداً في معبده، فكيف بمن هم كسائر النصارى في معاشهم ومخالطتهم الناس، واكتساب الأموال بالتجارات والزراعات والصناعات، واتخاذ الديارات الجامعات لغيرهم، وإنما تميزوا على غيرهم بما يغلِّظ كفرهم، ويجعلهم أئمة في الكفر، مثل التعبد بالنجاسات، وترك النكاح، واللحم، واللباس الذي هو شعار الكفر، لا سيما وهم الذين يقيمون دين النصارى بما يظهرونه من الحيل الباطلة التي صنف الفضلاء فيها مصنفات، ومن العبادات الفاسدة، أوقبول نذورهم وأوقافهم.

والراهب عندهم شرطه ترك النكاح فقط، وهم مع هذا يجوِّزون أن يكون بتركاً، وبطرقاً، وقسيساً، وغيرهم من أئمة الكفر الذي يصدرون عن أمرهم ونهيهم، ولهم أن يكتسبوا الأموال، كما لغيرهم مثل ذلك، فهؤلاء لا يتنازع العلماء في أنهم من أحق النصارى بالقتل عند المحاربة، وبأخذ الجزية عند المسالمة، وأنهم من جنس أئمة الكفر الذين قال فيهم الصديق رضي الله عنه ما قال، وتلا قوله تعالى: “فقاتلوا أئمة الكفر”.

ويبين ذلك أنه سبحانه وتعالى قال: “إن كثيراً من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله”، وقد قال تعالى: “اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلهاً واحداً لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون”.

فهل يقول عالم: إن أئمة الكفر الذين يصدون عوامهم عن سبيل الله، ويأكلون أموال الناس بالباطل، ويرضون أن يتخذوا أرباباً من دون الله لا يقاتلون ولا تؤخذ منهم الجزية، مع كونها تؤخذ من العامة الذين هم أقل منهم ضرراً على الدين، وأقل أموالاً، لا يقوله من يدري ما يقول، وإنما وقعت الشبهة لما في لفظ الراهب من الإجمال والاشتراك).8

قلت: عداوة الرهبان والقسس ومن شاكلهم من أئمة الكفر لا تدانيها عداوة العامة منهم، فهم الذي يحرضون على قتل المسلمين، وعلى جمع الأموال والتبرعات للقضاء على الإسلام والمسلمين، هذا بجانب أن عداوة الكفار لعلماء الأئمة أشد، وحضهم الحكام على التضييق عليهم وعلى حبسهم ومنعهم من قيادة المجتمع وريادته.

ثانياً: في دار الإسلام

أما قتل المدنيين من أئمة الكفر وغيرهم من النساء والأطفال والصحفيين وغيرهم، الغازين لديار الإسلام، كما هو الحال في فلسطين، والعراق، وأفغانستان، والشيشان، وكشمير، وجنوب الفلبين، وجنوب تايلاند – “فطاني”، وغيرها من البلاد، فهؤلاء يُقتلون ولا يُستثنون، والأدلة السابقة لا تتناولهم بحال من الأحوال، لأنهم غزاة معتدون مغتصِبون.

إذا كان الكفار اليوم في فلسطين والعراق وغيرهما يقتلون المسلمين وحيواناتهم، ويفسدون الحرث والنسل، ويقلعون الأشجار، ويعيثون في الأرض الفساد، ولا يميزون بين مقاتل وغير مقاتل، فقد طال قتلهم الأطفال الرضع، والشيوخ الركع، والنساء الحمَّل، والمقعدين، والعجزة، ومن العجيب الغريب أن يصف هؤلاء الكفار والسذج ما يقوم به هؤلاء الأبطال المجاهدين لمن غزاهم في عقر دارهم بأنهم إرهابيون، ويجاريهم في ذلك حكام المسلمين وغيرهم، خوفاً ورهباً من الأمريكان واليهود، وحرصاً على السلطان.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الكفرة المعاندين، وصلى الله وسلم على رسولنا محمد وعلى آله وصحابته والتابعين.